
تعد اليمن أحد الدول العربية المليئة بالأماكن الأثرية، التي كانت شاهدة على عصور ذهبية وماضي تاريخي عريق عاشته هذه الدولة، فقد مر عليها العديد من الحضارات، وكانت حلقة الوصل بين حضارات الغرب والشرق في كثير من الأوقات عبر تاريخها، واليمن مثلها من العديد من دول الشرق الأوسط خاضت العديد من الأزمات والمعارك والحروب، وانتصرت لتظل اليمن وبقاعها التاريخية شاهدة على تراث أثري عريق.
فقد مرت على اليمن العديد من الممالك، حتى قبل ظهور الإسلام، فالتاريخ القديم يرينا أن الدولة كانت على اتصال مباشر بجميع وكافة جيرانها، من الحضارات القديمة، مثل الحضارة الفرعونية في مصر، مرورًا بالحضارة الإغريقية، إضافة وكما ذكرنا الممالك، ولعل أبرز تلك الممالك هي مملكة سبأ، ومملكة حضرموت، ومملكة حمير، ومعين، وأوسان، ونجران وغيرها الحضارات التي خلفت ورائها العديد من البقاع الآثرية الشاهدة على مرورها وفرض نفوذها على الأراضي اليمنية.
ويعد من أبرز تلك البقاع الأثرية في اليمن، هو حصن الغراب أحد أهم المعالم السياحية في تلك البلد الأصيل، ومازال حتى اليوم يحتفظ برونقه الخاص ويحتفظ بلقطات ومشاهد تاريخية، محفورة على جدرانه، وسيكون هو محل حديثنا اليوم.
اكتشاف حصن الغراب
تم اكتشاف حصن الغراب في مدينة ثلاء اليمنية، عام 1834م، خلال فترة استيلاء القوات البريطانية على مناطق من اليمن، وتحديدًا محاولاتها المستميتة في تلك الفترة للسيطرة على عدن، وتم اكتشاف الحصن خلال رحلة استكشافية للبحرية الإنجليزية للساحل اليمني.
وخلال تلك الرحلة وجدوا البحارة الإنجليز عبارة عن أبراج داخل الجبل، ومباني مبنية من الحجارة في الصخور، وتبين خلال تلك الرحلة أن هذا فيما مضى كان حصنًا لحماية الميناء البحري واليمن من جهة البحر، وخاصًة بعدما تم اكتشاف بقايا تحصينات وصهريجًا للماء.
أما عن داخل الحصن فقد تم العثور على العديد من النقوش، التي يعود تاريخها لما قبل الإسلام، وحتى عام 525م، وتلك النقوش ساهمت كثيرًا في تعرف المستكشفين على لغة أهل اليمن القديمة، وتحدثت تلك النقوش عن المراحل الأخيرة للأسرة اليزنية وثورة يوسف أثار يزأن التي بدأت عام 518م، واستطاعت الثورة أن تنجح وتحقق أهدافها ويصل يوسف لسدة الحكم، ليكون حاكم أخر أسرة يمنية قبل ظهور الإسلام.

موقع حصن الغراب
يقع حصن الغراب في مدينة ثلاء اليمنية، وهو عبارة عن قلعة تم بنائها في الجبل، وتبعد 45 كم عن صنعاء، وجمع الحصن بين جدرانه بين كل من الحضارة الحميرية، والعديد من الآثار للحضارات المتعاقبة على اليمن، وهناك بقايا العديد من قلاع الحصن، وأبراج الحراسة، والأسوار التي تحيط به، والمدافن التي كان يتم فيها تخزين الحبوب في أوقات الحصار، والمقابر وكل هذا تم بناءه من صخر الجبل نفسه.
واستطاع الحصد عام 2013م، أن يحصد جائزة الآغا خان للعمارة والبناء، وكان الحصن في العديد من الأوقات التاريخية ملاذًا آمنًا للعديد من الآئمة، والمعارضين، والعلماء، والأمراء، نظرًا لموقعه المتميز وصعوبة اختراقه والهجوم عليه.
وكان حصن شاهدًا على العديد من المعارك، والأساطير التي تناقلها اليمنيون جيلًا بعد جيل، ولعل أشهر هذه المعارك هي معركة الإمام المطهر مع الدولة العثمانية، إضافة للعديد من مقابر أشخاص أثروا في التاريخ اليمني ولعل أبرزهم المقابر المحفورة في الصخور والتي تم بنائها في دولة الحسين بن القاسم العياني، مابين 357هـ إلى 450هـ.
في الأخير لا يمكن أن ينكر أحدًا التاريخ الذي شهدته اليمن، ولا الأثار المحفورة وواضحة للعيان في كل شبر على أرضها، وحتى يومنا الحالي، ورغم الأزمات التي لطالما كانت تخرج منها، وتزيدها حكمة، إلا أنها مازالت قادرة أن تحافظ على كل تلك الأثار والشواهد التاريخية، لتحكي أساطير كل من مر على أراضيها.